قضية رقم 272 لسنة 25 قضائية المحكمة الدستورية العليا "دستورية"
مبادئ الحكم: أجازة -تعويض - أجازة-الحق فيها - تعويض-ملكية - حق العمل-تنظيمه - حق العمل-شروطه - لوائح-تشريع - ملكية-تعويض - هيئة عامة-لوائح
نص الحكم
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
مبادئ الحكم: أجازة -تعويض - أجازة-الحق فيها - تعويض-ملكية - حق العمل-تنظيمه - حق العمل-شروطه - لوائح-تشريع - ملكية-تعويض - هيئة عامة-لوائح
نص الحكم
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقـدة يـوم الأحـد 5 سبتمبر سنة 2004 م ، الموافـق 20 رجب سنة 1425 هـ .
برئاسة السيد المستشار / ممدوح مرعى رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين : حمــدى محمـد على وماهـر البحـيرى ومحمد على سـيف الدين وعدلى محمود منصور ومحمد عبدالقادر عبدالله وأنور رشاد العاصى
وحضور السيد المستشار / نجيب جمال الدين علما رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / ناصر إمام محمد حسن أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمـة الدستورية العليا برقم 272 لسنـة 25 قضائية " دستورية " بعد أن أحالت محكمة القضاء الإدارى بأسيوط ملف الدعوى رقم 1798 لسنة 9 قضائية الصادر بجلسة 11/6/2003 .
المقامة من
السيد / عبده محمد أحمد تركى
ضــــــــد
1 ـ السيد رئيس مجلس إدارة الهيئة القومية للبريد
2 ـ السيد مدير عام هيئة البريد بأسيوط
الإجراءات
بتاريخ الثانى من نوفمبر سنة 2003 ورد إلى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا ملف الدعوى رقم 1798 لسنة 9 قضائية ، من محكمة القضاء الإدارى بأسيوط تنفيذاً لقرارها الصادر بجلسة 11/6/2003 بوقف الدعوى وإحالتها إلى هذه المحكمة للفصل فى دستورية المادة (77) من لائحة العاملين بالهيئة’ القومية للبريد الصادرة بقرار وزير النقل رقم 70 لسنة 1982 والمضافة بالقرار رقم 92 لسنة 1994 فيما تضمنته من حرمان العامل من البدل النقدى لرصيد إجازاته الاعتيادية فيما جاوز أربعة شهور .
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها رفض الدعوى .
وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها .
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم .
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق ، والمداولة .
حيث إن الوقائع ـ على ما يبين من قرار الإحالة وسائر الأوراق ـ تتحصل فى أن السيد / عبده محمد أحمد تركى أقام على الهيئة القومية للبريد الدعوى رقم 1798 لسنة 9 قضائية أمام محكمة القضاء الإدارى بأسيوط طالباً الحكم بأحقيته فى صرف المقابل النقدى عن كامل رصيد إجازاته الاعتيادية التى لم يحصل عليها أثناء مدة خدمته بالهيئة وإذ لم تقم الهيئة المدعى عليها بصرف المقابل النقدى لكامل رصيد إجازاته التى لم يحصل عليها بالمخالفة لما قضت به المحكمة الدستورية العليا بالنسبة لنص المادة (65) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة المطابق لنص المادة (77) من لائحة العاملين بالهيئة فقد أقام الدعوى . وإذ تراءى للمحكمة عدم دستورية نص المادة (77) المشار إليها فقد قررت وقف الدعوى وإحالتها إلى المحكمة الدستورية العليا .
وحيث إن المادة (77) من لائحة العاملين بالهيئة القومية للبريد الصادرة بقرار وزير النقل والمواصلات والنقل البحرى رقم 70 لسنة 1982 المضافة بالقرار الوزارى رقم 21 لسنة 1987 والمعدلة بالقرار الوزارى رقم 92 لسنة 1994 تنص فى فقرتها الأخيرة على " فإذا انتهت خدمة العامل قبل استنفاد رصيده من الإجازات الاعتيادية استحق عن هذا الرصيد أجره الأساسى مضافاً إليه العلاوات الخاصة التى كان يتقاضاها عند انتهاء خدمته وذلك بما لا يجاوز أجر أربعة أشهر ولا تخضع هذه المبالغ لأية ضرائب أو رسوم ويسـرى حكم هـذه الفقـرة اعتباراً مـن تاريخ العمل بالقانون رقـم 219 لسنة 1991 فـى 8/12/1991 ".
وحيث إن نطاق الدعوى الماثلة ينحصر فى نص الفقرة الأخيرة المشار إليها فيما تضمنته من وضع حد أقصى لرصيد الإجازات التى يستحق العامل مقابلاً عنه ، وهو ما تتحقق به المصلحة فى الدعوى .
وحيث إن الهيئة القومية للبريد وفقاً لقانون إنشائها وهو القانون رقم 19 لسنة 1982 هى هيئة عامة تقوم على إدارة مرفق عام هو مرفق البريد ، ومن ثم فهى شخص من أشخاص القانون العام ويعتبر العاملون فيها موظفين عامين يرتبطون بها بعلاقة تنظيمية تحكمها لائحة نظام العاملين بالهيئة الصادرة بقرار وزير النقل السابق الإشارة إليه والتى تتضمن النص المطعون فيه ، وهى بهذه المثابة تعتبر تشريعاً بالمعنى الموضوعى تمتد إليه رقابة هذه المحكمة .
وحيث إن من المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن لكل حق أوضاعاً يقتضيها ، وآثاراً يرتبها ، من بينها – فى مجال حقالعمل – ضمان الشروط التى يكون أداء العمل فى نطاقها منصفاً وإنسانياً ومواتياً ، فلا تنتزع هذه الشروط قسراً من محيطها ، ولا ترهق بفحواها بيئة العمل ذاتها ، أو تناقض بأثرها ما ينبغى أن يرتبط حقاً وعقلاً بالشروط الضرورية لأداء العمـل بصـورة طبيعية لا تحامل فيها ، ومن ثم لا يجوز أن تنفصل الشروط التى يتطلبها المشرع لمباشرة عمل أو أعمال بذواتها عن متطلبات ممارستها ، وإلا كان تقريرها انحرافاً بها عن غايتها ، يستوى فى ذلك أن يكون سندها علاقة عقدية أو رابطة لائحية .
وحيث إن الدستور وإن خول السلطة التشريعية بنص المادة (13) تنظيم حق العمل ، إلا أنها لا يجوز لها أن تعطل جوهره ، ولا أن تتخذ من حمايتها للعامل موطئاً لإهدار حقوق يملكها ، وعلى الأخص تلك التى تتصل بالأوضاع التى ينبغى أن يمارس العمل فيها ، ويندرج تحتها الحق فى الإجازة السنوية التى لا يجوز لجهة العمل أن تحجبها عن عامل يستحقها ، وإلا كان ذلك منها عدواناً على صحته البدنية والنفسية ، وإخلالاً بأحد التزاماتها الجوهرية التى لا يجوز للعامل بدوره أن يتسامح فيها ، ونكولاً عن الحدود المنطقية التى ينبغى وفقاً للدستور أن تكون إطاراً لحق العمل ، واستتاراً بتنظيم هذا الحق للحد من مداه .
وحيث إن المشرع قد صاغ فى الإطار السابق بيانه بنص المادة (65) من قانون نظام العاملين المدنيين فى الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 ـ وهو القانون العام بالنسبة للعاملين فى الدولة وهيئاتها العامة – حق العامل فى الإجازة السنوية ، فغدا بذلك حقاً مقرراً لـه بنص القانون ، يظل قائماً ما بقيت الرابطة الوظيفية قائمة ، وقد نقلت عنه لائحة العاملين بالهيئة القومية للبريد حيث جاء نص المادة (77) منها متضمناً لذات الأحكام .
وحيث إن المشرع تغيا من ضمان حق العامل فى إجازة سنوية بالشروط التى حددها أن يستعيد العامل خلالها قواه المادية والمعنوية ، ولا يجوز بالتالى أن ينزل العامل عنها ولو كان هذا النزول ضمنياً بالامتناع عن طلبها ، إذ هى فريضة اقتضاها المشرع من كل من العامل وجهة الإدارة فلا يملك أيهما إهدارها كلياً أو جزئياً إلا لأسباب قوية تقتضيها مصلحة العمل ، ولا أن يدعى العامل أنه بالخيار بين طلبها أو تركها ، وإلا كان التخلى عنها انهاكاً لقواه ، وتبديداً لطاقاته ، وإضراراً بمصلحة العمل ذاتها التى يتعذر صونها مع الاستمرار فيه دون انقطاع . بل إن المشرع اعتبر حصول العامل على إجازة اعتيادية لمدة ستة أيام متصلة كل سنة أمراً لا يجوز الترخص فيه ، أو التذرع دون تمامه بدواعى مصلحة العمل ، وهو ما يقطع بأن الحق فى الإجازة السنوية يتصل بقيمة العمل وجدواه وينعكس بالضرورة على كيان الجماعة ويمس مصالحها العليا صوناً لقوتها الإنتاجية البشرية .
وحيث إن المشرع قد دل بالفقرة الأخيرة من المادة (77) من اللائحة المشار إليها على أن العامل لا يجوز أن يتخذ من الإجازة السنوية وعاءً ادخارياً من خلال ترحيل مددها التى تراخى فى استعمالها ، ثم تجميعها ليحصل بعد انتهاء خدمته على ما يقابلها من الأجر ، وكان ضمان المشرع لمصلحة العمل ذاتها قد اقتضاه أن يرد على العامل سوء قصـده فلم يجز له أن يحصل على ما يساوى أجر هذا الرصيد إلا عن مدة لا تجاوز أربعة أشهر ، وهى بعد مدة قدر المشرع أن قصرها يعتبر كافلاً للإجازة السنوية غايتها ، فلا تفقد مقوماتها أو تتعطل وظائفها ، بيد أن هذا الحكم لا ينبغى أن يسرى على إطلاقه ، بما مؤداه أنه كلما كان فوات الإجازة راجعاً إلى جهة العمل أو لأسباب اقتضتها ظروف أدائه دون أن يكون لإرادة العامل دخل فيها ، كانت جهة العمل مسئولة عن تعويضه عنها ، فيجوز للعامل عندئذ – وكأصل عام – أن يطلبها جملة فيما جاوز ستة أيام كل سنة ، إذا كان اقتضاء ما تجمع من إجازاته السنوية على هذا النحو ممكناً عيناً ، وإلا كان التعويض النقدى عنها واجباً ، تقديراً بأن المدة التى امتد إليها الحرمان من استعمال تلك الإجازة مردها إلى جهة العمل فكان لزاماً أن تتحمل وحدها تبعة ذلك .
وحيث إن الحق فى هذا التعويض لا يعدو أن يكون مـن العناصر الإيجابية للذمة المالية للعامل ، مما يندرج فى إطار الحقوق التى تكفلها المادتان (32و34 ) من الدستور اللتان صان بهما الملكية الخاصة ، والتى جرى قضاء هذه المحكمة على اتساعها للأموال بوجه عام وانصرافها بالتالى إلى الحقوق الشخصية والعينية جميعها . متى كان ذلك ، فإن حرمان العامل من التعويض المكافئ للضرر والجابر لـه يكون مخالفاً للحماية الدستورية المقررة للملكية الخاصة .
فلهــــذه الأسبــــاب
حكمت المحكمة بعدم دستورية نص الفقرة الأخيرة من المادة (77) من لائحة العاملين بالهيئة القومية للبريد الصادرة بقرار وزير النقل والمواصلات والنقل البحرى رقم 70 لسنة 1982 المضافة بالقرار رقم 92 لسنة 1994 ، وذلك فيما تضمنه من حرمان العامل من البدل النقدى لرصيد أجازاته الاعتيادية فيما جاوز أربعة أشهر ، متى كان عدم الحصول على هذا الرصيد راجعاً إلى أسباب تقتضيها مصلحة العمل .